هل الطب الوقائي مجدِ

الجدير بالذكر أن فكرة الطب الوقائي هو ليست فقط ممارسة فردية بل هي سياسية تتبعها الدول للارتقاء بالقطاع الصحي و تحسين جودة حياة المواطنين.

في البدء أود الإشارة إلى أن الطب الوقائي يعمل على 3 مراحل متباينة هي:

-الوقاية الأولية: و تشمل كل الإجراءات المتخذة لمنع حدوث الأمراض و يشمل ذلك اللقاحات الطبية و مكافحة الحشرات وغسل الأيدي و نشر الوعي الصحي لدى العامة و التصدي للعوامل و العادات الشخصية التي تؤدي إلى حدوث المرض كالتدخين والتعرض للإشعاعات و مخاطر العمل و غير ذلك.

-الوقاية الثانوية: و تهدف إلى الكشف المبكر عن الأمراض والعلاج المبكر للحؤول دون تطور المرض و تفاقم الأعراض. و يشمل ذلك معالجة الخمجات و الالتهابات بشكل مبكر لمنع تفاقم الحالة الصحية و يضم أيضاً الكشف المبكر عن السرطانات و الفحوص المخبرية الدورية.

-المستوى الثالث من الوقاية: ويهدف إلى الحد من تطور الأمراض و يشمل ذلك المداواة المبكرة للأمراض المزمنة كالسكري و ارتفاع ضغط الدم لمنع حدوث المضاعفات اللي تهدد الحياة.

تبدو فكرة الطب الوقائي للكثيرين أحلاماً أفلاطونية دون الواقع و رؤية بعيدة المنال و تكلفة غير مبررة على المدخول المتواضع للإنسان العربي، سوف نسعى لإيضاح بعض الحقائق للقارئ العربي حتى يكون على بينة في حكمه على قضاياه الصحية.

مثال 1:

مطعوم الـbcg الرخيص جدا و الذي يعطى للأطفال عند الولادة يقلل بشكل كبير جدا من احتمالية الاصابة بأمراض السل التي تنهك الجسد و الجيب معاً.

مثال 2:

تسوس الأسنان يمكن منعه بفرشاة و معجون لا يكلفان سوى بضعة قروش في اليوم. إذا ما تم إهمالها تحولت إلى تسوس يستدعي زيارة طارئة للطبيب؛ هذه الزيارة (1000 ليرة سورية = 20 دولار أمريكي) تكلف أكثر من ثمن الفرشاة و معجون الأسنان لمدة عام كامل. إذا ما تم إهمال التسوس تحول إلى خراج لثوي و أحياناً إلى التهاب في عظم الفك يتطلب التدخل الجراحي (20 ألف ليرة = 400 دولار أمريكي) و يساوي أكثر من 40 زيارة دورية لطبيب الأسنان أي 20 عاماً من الزيارات الدورية لطبيب الأسنان تدفعه في جلسة واحدة ناهيك عن الألم المريع و التجربة المريرة التي سوف تضطر إلى تحملها.

مثال 3:

مريض ارتفاع ضغط الدم في الظروف العادية يحتاج إلى علاج دوائي بقيمة 200-400 ليرة شهريا (3600 ليرة في السنة وسطيا) كما يستدعي مرضه زيارة الطبيب المختص مرتين إلى 3 مرات سنويا (1000 ليرة سنويا) و إلى تحاليل مخبرية مرتين سنوياً (1000 ليرة سورية سنوياً)

إذاً سوف يدفع حوالي 5600 ليرة سنويا (بواقع 15.3 ليرة يوميا)
بالتأكيد ليس رقماً سهلا على ذوي الدخل المحدود و لكنه أقل بشكل ملحوظ من ثمن علبة التبغ التي تدخنها يوماً (25-100 ليرة يومياً)

إن خطر الإصابة بمضاعفات مرض ارتفاع ضغط الدم تبلغ حوالي 5 % سنوياً. أي أن مريض الضغط لديه احتمال 100% بالإصابة باحتشاء عضلة القلب أو السكتة الدماغية خلال 20 عاماً.

تبلغ فاتورة المشفى التي تستدعيها هذه المضاعفات الخطيرة مئات الآلاف من الليرات ناهيك عن الإعاقة و اخطر الوفاة لا قدر الله.

لا تقل فاتورة الدخول للمستشفى عن 50 إلى 100 ألف ليرة سورية ، أي ما تكلفه الإجراءات الوقائية لمريض ارتفاع ضغط الدم لمدة 20 عاماً.

لسنا هنا لنبرر ما يفعله بعض الأطباء من متاجرة بالمهنة و الدواء و سوء توجيه للمال العام و لكن لا بد من حدود دنيا من الإجراءات الطبية الوقائية التي تكفل للمواطن جودة صحية و توفيرا لماله و حفظاً لحياته.

أرجو أن نساهم جميعا في نشر ثقافة الوقاية الطبية في أوساطنا.

ملحوظة: الأرقام الواردة في الأعلى تقديرية تهدف فقط إلى شرح المثل و إيصال الفكرة.

يسلمووووووووو